«روائح ماري كلير»..سطحيّة مُفرِطة وحشوٌ للسرد
نسرين بلوط
Tuesday, 22-Oct-2019 06:34
عن الكتابة الروائية قال شيخ الأدباء فيكتور هوغو: «كل صخرة هي حرف وكل بحيرة هي عبارة وكل مدينة هي وقفة، فوق كل مقطع وفوق كل صفحة لي هناك دائما شيء من ظلال السحب أو زبد البحر». وعلى النقيض من تصوّر هوغو، يطالعنا الكاتب الحبيب السالمي بروايةٍ سطحيّةٍ، تتجرّدُ من التعمّق السيكولوجي والتجرّد الإنساني للتمرّغ في دواخل النفوس، لتتكوّر في طرْفِ زاويةٍ تتنفّسُ بجموح أبطالها فقط، في إطار علاقةٍ حميميةٍ عادية، تتكرّرُ كلّ يوم بين شابٍ عربي وامرأة فرنسية.

البطل محفوظ هو شابٌ تونسي، يجدُ في فرنسا مبتغاه في الحرّية التي حُرّمت عليه في وطنه، حيث غمّس رأسه حتى النخاع في بيادر الفقر، ونهش منه الجوع وتصلّب من الألم الدامي وهو يشهد موت أمّه طفلاً، ويعرجُ على آلامه بلا تلطّفٍ ولا براءة، فيرأف به الزمنُ لتسنح له الظروف ويكمل تعليمه في فرنسا، ويلتحق في العمل في فندقٍ لم يلبِّ طموحاته، وهو الذي أنهى إجازته الجامعية في الأدب التي تخوّله أن يصبحَ مدرّساً، ولكنّه آثر العمل الفندقي على التعليم الجامعي لأنّه يعشق الحركة في الليل، وهو يمثّل له الطمأنينة والجنوح للسلام بسبب التخبّط النفسي والصراع الوحشي اللذين يعيشهما من احتكاكه بالناس نهاراً.

يتغيّر نمط حياته عندما يعثر على ماري كلير، التي تتفتّح صدفة كالوردة الزاهية المحصّنة بأوراقٍ نديّةٍ خضراء مبلّلةٍ بالعطر في بستان حياته الذي يزدحم بالأشواك. كان لقاؤهما في المقهى محض صدفة، تبلورت وتطوّرت لتقرّر ماري كلير في النهاية أن تنتقل لتعيش في منزله.

فتبدأ معه رحلة التغيير في أسلوب معيشته، بدءاً من الأثاث المنزلي، إلى الإعتناء بالنباتات، وحتى إقناعها له بضرورة العودة إلى التعليم، فيعود ليصبح مدرّساً في الجامعة مركّزاً على أدب صعاليك العرب الذي يعشقه، وهم شعراء عاشوا قديماً بين الأدغال ونظموا الشعر وسط العقارب والوحوش الكاسرة، وأخبروا عن رحلتهم بعد أن تحوّلوا إلى قطّاع طرق.

تتعلّم ماري كلير منه بدورها تقديس موعد الإفطار الذي يركّز عليه الكاتب، بلا ضرورةٍ تُذكر إلّا للتمويه الظاهري في تلقّف عنصر الإثارة، الذي يفتقد في الرواية من أوّلها إلى آخرها.

وكما هو المتوقع، فإنّ عنصر المفاجأة الوحيد يتجلّى في نشوب الصراع النفسي بين البطل وعشيقته ماري، والإبتعاد التدريجي عن دائرة العشق والأمان، وتدهور الإلتحام المنصهر بين قلبين أحدهما ينتمي للشرق والثاني للغرب، ليظهر الفرق الشاسع بين البيئتين، ويُظهر لنا جوانب العلاقة الحميمية في الفراش بينهما حتى الإسراف في الإعجاب من البطل للروائح الطبيعية الممتزجة بالعرق تحت إبط ماري كلير، والتي يعيرها كلّ الإهتمام وكأنّه اكتشف سرّ الحبكة أو أضاف لها الوقود اللازم. وقد أخذت تلك العلاقة في التمطي بتثاؤب الملل واللامبالاة، حتى وصلا للهجران الجسدي. وكان الفراق حتماً هو الحلّ النهائي الذي صهر قلب البطل وأودعه في دائرة الذكريات.

القصة رتيبة تتماوجُ بالملل، مع ذكر الكاتب لأدق التفاصيل التي قد يعيشها أيّ حبيبين في أيّ بلدٍ في العالم، والحشوُ السردي البطيء الإيقاع يتجمهرُ مسبّلاً جفن الحدث الأوّلي ليغمض جفناً آخر على نفس الحدث دون أيّ تغييرٍ يُذكر، أو جذباً للحدث المبدّل. اللغة بسيطة وتلقائية، ولكنّها لا تميل للبلاغة ولا تحشد الإيقاع الصوتي الجاذب لمخيّلة القارئ.

رواية «روائح ماري كلير» صدرت عن دار الآداب ودخلت، رغم سطحيتها المفرطة، في القائمة النهائية القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية. وهنا يُطرح السؤال نفسه من جديد عن مدى أحقيّة الفائزين أو المرشّحين للفوز في بعض الجوائز. 

الأكثر قراءة